
الدكتور مصطفى محمود.. نموذج فريد بين أبناء جيله الذين غلب عليهم اختيار اليسار فكرًا، والمادية منهجًا، لكنه تميَّز عنهم باستمرار البحث والتنقيب ليخلص إلى نتيجة مهمة مثلت منهجه في الحياة والكتابة، وهي التي لخصها في قوله "أنا خادم لكلمة لا اله إلا الله محمد رسول الله".
هذا التطور الفكري الخطير نقل مصطفى محمود إلى الدائرة الخضراء لينتصر للإسلام وقضية الإيمان بالله واتخاذ العلم طريقًا إلى الإيمان وجعل التعمق في العلم سبيلاً إلى الإيمان؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن يتحوَّل برنامجه "العلم والإيمان" إلى مشروع ثقافي يدخل كل بيت فيلقاه أهله بالترحاب وينتظرون زيارته كل أسبوع.
والآن يمر الدكتور مصطفى محمود بظروفٍ صحيةٍ منعته من التواصل مع مَن أحبوا أسلوبه في الكتابة وحديثه الذي يجمع بين العلم والإيمان.
وكان من الوفاء أن يبادر اتحاد الأطباء العرب إلى تكريم الكاتب الكبير في حفلٍ شارك فيه المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة، والكاتب الصحفي فهمي هويدي، والكاتب الصحفي لويس جريس، ومحمد عبد القدوس عضو مجلس نقابة الصحفيين، والفنان عبد العزيز مخيون، والدكتور أحمد نور الدين نائب رئيس جمعية مصطفى محمود، والشيخ عصام تليمة، وإبراهيم عكاشة مخرج حلقات برنامج "العلم والإيمان".
أجمع المشاركون على أن الكاتب الكبير هو أحد المفكرين القلائل الذين أثَّروا في الحياةِ الثقافية والسياسية في مصر، مشيرين إلى أنه جمع بين العقل والقلب في رحلته الفكرية الصادقة، فوصل إلى قمة الوسطية التي مكَّنته من خوض معارك ضد غلاةِ العلمانيين والصليبيين الغربيين والصهيونية اليهودية والمادية والإلحاد والغلو الديني.
وأكد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين ضرورةَ أن يستمر التواصل مع الدكتور مصطفى محمود في أزمته الصحية الحالية، مشيرًا إلى أن احتفاء اتحاد الأطباء العرب إنما هو اعترافٌ وتقديرٌ بالطبيب المفكر المبدع، وأحد رموز الثقافة الإسلامية ومصر التي نعتز بها، وأحد المفكرين القلائل الذين أَثْرَوا الحياة الثقافية والسياسية في مصر.
وقال د. هشام الحمامي مدير المركز الثقافي: إن الدكتور مصطفى محمود عمل في بداية حياته طبيبًا في تخصص المخ والأعصاب، واختار أن تكون حياته كلها بعد ذلك في إنارة "مخ" الأمةِ كلها بنور العلم والإيمان.
وتساءل: "لماذا غابت حلقات "العلم والإيمان" عن إعلامنا الرسمي والفضائيات رغم أن الدكتور مصطفى محمود بسَّط من خلالها نظريات العلم وربطها بالإيمان بالله، وجذب بسطاء الناس إلى استيعاب أدق النظريات بروحٍ إيمانية عالية؟!".
وتساءل: "لماذا غابت حلقات "العلم والإيمان" عن إعلامنا الرسمي والفضائيات رغم أن الدكتور مصطفى محمود بسَّط من خلالها نظريات العلم وربطها بالإيمان بالله، وجذب بسطاء الناس إلى استيعاب أدق النظريات بروحٍ إيمانية عالية؟!".
ووصف د. محمد عمارة الدكتور مصطفى محمود بأنه لم يكن مجرَّد مُفكِّر ولا كاتب، وإنما كان ظاهرةً فكريةً تُمثِّل أحد معالم العصر الذي نحياه.
وشبَّهه ببديع الزمان النورسي الذي تفرَّغ لإثبات الإيمان من خلال الطبيعة في وقتٍ كان أتاتورك ينشر ويمهَّد للإلحاد والمادية في تركيا، مشيرًا إلى أنه كان حارسًا على الإيمان، وقاد تجربةً متميزةً في إدراك عظمة الإسلام في مصر.
وأشار إلى أنه نشأ في جيلٍ لا يرى إلا بعين الغرب أو بعين التراث الإسلامي، ولكنه تميَّز بأنه رأى بعين الاثنين؛ حيث رأى الآخر وتعمَّق في الإسلام فأدرك من عظمةِ الدين ما لم يدركه الآخرون.
وقال عمارة: "إنه جمع بين العقل والقلب في رحلته الفكرية الصادقة، فوصل إلى قمة الوسطية التي مكَّنته من خوض معاركه ضد غلاة العلمانيين والصليبيين الغربيين والصهيونية اليهودية والمادية والإلحاد والغلو الديني والعنف".
وأشار الكاتب لويس جريس إلى أن د. مصطفى محمود رغم كونه أديبًا ومفكرًا، إلا أنه انفرد بتواصلٍ فريدٍ مع قارئه؛ حيث أوجد كنزًا اجتماعيًّا كبيرًا عن حياةِ المصريين من خلال باب "اعترفوا لي"، قاده إلى الإيمان الذي برز فيه استجلاء معانيه.
وذكر وهو يبكي مشهدَ انحناء مصطفى محمود لتقبيل يد مَن عارضوه بعد نشره حلقات التفسير العصري للقرآن الكريم، مؤكدًا أنها جلبت له عذابًا أليمًا، ولكنه تقبَّلها بنفسٍ راضيةٍ؛ لكونه صادقًا مع نفسه.
وقال عنه الكاتب الكبير فهمي هويدي: "مصطفى محمود حمل ثلاث علامات فارقة في حياته؛ أولاها أنه رجل شجاع وصادق مع نفسه، وثانيها أنه حاز قدرة فذة على الربط بين العلم والإيمان والتوافق بينهما، وآخرها وأهمها أنه عبَّر عن تدينه بما ينفع الناس".
وأكد ضرورة أن يتحوَّل المتدين إلى طاقة نفعٍ للناس، وأن يقلل الدعاة من كثرةِ الكلام، وأن يكثروا من الأفعال، مشيرًا إلى أن مصطفى محمود مثَّل نموذجًا حيًّا نفع الناس، سواءٌ عبر جمعيته أو عبر علمه.
وأشار محمد عبد القدوس إلى أن مصطفى محمود عبقري قلَّما يُوجد مثله في هذا الزمان، مرجعًا عبقريته إلى نموذج مسجده الفريد في تصوره وخدماته ونقلته العلمية الإيمانية النادرة في برنامج العلم والإيمان، وخُلقه العالي وتميزه في معاركه الفكرية، وكونه يجيد العزف على الناي والعود، فكان جسر تواصل بين الدين والفن دون تفريطٍ أو إفراط.
ووسط تصفيقٍ استمر دقائق أهدى د. عبد المنعم أبو الفتوح السيدةَ أمل كريمة الدكتور مصطفى محمود درع اتحاد الأطباء العرب.
وفي تصريحٍ خاصٍّ لـ(إخوان أون لاين) عقب تكريم والدها قالت أمل مصطفى محمود: "والدي صورة جميلة للتسامح والحب والعطاء والتكافل الاجتماعي، والحرص على نهضة الأمة الإسلامية من خلال إصلاحها ونشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، مضيفةً أنه يملك روحَ إنسان فليسوف وقلب طفل محبٍّ للحياة والخير، وشديد التسامح للعالم كله.
خلال حفل التكريم تم عرض تسجيل صوتي للدكتور مصطفى محمود لإحدى حلقاته، التي أكد فيها أن "عظمة الدنيا غير عظمةِ الآخرة؛ فمن الممكن أن يكون الكبيرُ صغيرًا، وأن يكون الصغيرُ كبيرًا يوم القيامة؛ فعلامة القياس يوم القيامة الأخلاق والقيم؛ فمَن علا فيها في الدنيا علا في الآخرة".
خلال حفل التكريم تم عرض تسجيل صوتي للدكتور مصطفى محمود لإحدى حلقاته، التي أكد فيها أن "عظمة الدنيا غير عظمةِ الآخرة؛ فمن الممكن أن يكون الكبيرُ صغيرًا، وأن يكون الصغيرُ كبيرًا يوم القيامة؛ فعلامة القياس يوم القيامة الأخلاق والقيم؛ فمَن علا فيها في الدنيا علا في الآخرة".